Thursday, February 5, 2015

الواقع المنكوح

هو ليه عيب تشتم قدام البنات؟
و ليه بتمثلى انك مش بتشتمى قدام الولاد؟
ليه التحرش/الاغتصاب عار على البنت؟
هو النيش بيعمل ايه؟
مين خلق الكون؟ طب مين خلق ربنا؟
ليه مات وسابنى؟
مين الثورة المستمرة دى؟ و مستمرة فين؟
هو ليه على بن أبى طالب كان بيحارب معاوية بن أبى سفيان؟
ليه الشيعة أخطر و أبشع من اليهود؟
هو ايه الناسخ و المنسوخ؟
و ليه مش بدرس علم الكلام أو الفقه فى المدرسة؟
مين علم الكلام ده أصلاً؟
ايه هى جسيمات هيجز بوسون؟ و ليه بيسموها جسيمات الإله؟
هو ربنا فين؟ و هو اسمه ايه؟
ليه لما بدعى مش بيحصل حاجة؟
و ليه المؤمنين بينهزموا فى كل مكان يحاربوا فيه جيوش الكفر و الطاغوت؟
صحيح جيش مصر خير أجناد الأرض؟ طب ليه انهزم مرات أكتر من عدد سكان قطر؟
هو هتلر حلو ولا وحش؟ ولو وحش ليه السادات كان بيتعاون مع الالمان؟
يعنى ايه اسلام وسطى؟ وهو وسط ازاى؟
طب انت جاى تعمل ايه انهاردة؟ انت ايه وظيفتك و ايه هدفك اساساً؟

يدخل الطفل الصغير على أبيه مفتوناً بحدة ذكائه و سعة علمه فيسأله كما يسأل الرجل البدائى ساحر القرية فى شغف: "بابا. هو ربنا فين؟" ينظر الأب إلى ابنه و بكل تلقائية يجيب كما أجاب آبائه و أجداده: "ربنا فوق فى السما السابعة يا حبيبى" ثم يجلس فيحكى له كيف خلق الله الكون و كيف خلق السبع سماوات فينير للطفل آفاقاً لم يكن أن يُدركها وحده فيسأله: "طب وهو مين خلق ربنا" يقول له أن الله لم يخلقه أحد و أنه خلق كل شيئ و يحفظه سورة الصمد كى يغرس تلك القناعات فيه غرساً فيبقى عالقاً فى الطفل الصغير سؤالاً بلا اجابة. كل شيئ له أصل فكيف لا يكون لله أصل ولا يكون له يوم مولد ولا يكون فى مكان معين بل فى كل مكان؟ و لكن هذه الاسئلة لا تهمنا فى شيئ.

يدخله أبيه درس تحفيظ و تجويد قرآن فى المسجد المجاور لمنزلهم. يأتى الشيخ بالحلوى و المصاحف فيحب الله أكثر. ثم يبدأ الشيخ التحفيظ للفتى فيحشر القواعد فى مخه الصغير حشراً. إنه لا يفهم هذا. إنه جديد و أصغر الموجودين. ما هذه القلقلة و الشخللة و الصهللة؟ ما هذا الكلام العجيب. و لماذا ينطقون الحروف بتلك الطريقة؟ هل هم يتكلموا خطأ أم أنه طيلة حياته كان يتحدث بلغة ركيكة؟

يجلس الطفل فى المدرسة بعد أن كبر سنه قليلاً. لقد تعلم أن المسيحيين كفرة و لكن الرسول أوصانا بهم. فهم كفرة و مؤمنين لأن منهم المؤمن الذى أندثر يعرفهم المسيحيون بالآريوسيين و منهم من يشرك بالله و سيحترق فى نار جهنم وهم مسيحيي اليوم. إن مايكل صديق مقرب وهو لا يريد أن يراه يحترق و لكن بالطبع كيف يصادق الكفار؟ صه يا فتى! و لكن فى درس الدين تعلمت أن اتوصى بهم خيراً. أليس كذلك؟ بلى و لكن لا تصادقه فتصبح مثله. إنهم لا يستحمون و رائحتهم كريهة بينما نحن نتوضأ خمس مرات فى اليوم. كيف تصادق أكلة الخنازير و شاربى الخمر؟

يكبر قليلاً بعد أن ترك مايكل مُشفقاً عليه هذا الكافر الذى فى يومٍ ما كان ينصحه بالاسلام فلم ينتصح متجاهلاً تعاليم دينه التى لم يعرفها متجاوزاً مبادئ التسامح و الفقه و الشريعة و عاملاً بمبدأ الهوى. أطال لحيته و حفظ بضعة أجزاء من القرآن و أصبح ينال الشرف أنه أكثر اصدقائه علماً. يقرأ عن قصص الانبياء فيجدها كلها إسرائيليات مأخوذة من الأساطير اليهودية. فيُعرض عنها و يُقبل عليها. نصف إيمان و نصف تشكيك و يترك الأمر هكذا. يتركه للشيوخ الذين هم بالطبع أعلم منه. يبدأ قرائة السيرة النبوية ثم يقرأ عن الخلفاء الراشدين فترتبك موازينه و حساباته. هناك من يلقبون بالشيعة وهم أكثر خطراً من اليهود لأنهم يشقون صف الايمان و يشركون بالله و يسبون الصحابة الاجلاء. و قد ظهروا بعد أن قامت حرب بين معاوية بن أبى سفيان و على بن أبى طالب! النجوم التى نهتدى بها تتقاتل! إذاً بمن نهتدى؟ بالتأكيد هناك حق و باطل فى تلك الحكاية العجيبة. يسأل من كان المخطئ فيصمت الجميع. يفهم انه تابوه دينى لا يجب المساس به فيقول تارةً أن على مخطئ ثم يبحث أكثر فيقول أن معاوية مخطئ و يسمع عن مصطلح "الفئة الباغية" و مصطلح "قتله من أخرجه" و هما مصطلحان يقتربان لمصطلحات سيسمعها قريباً مثل "هو ايه اللى وداها هناك" و "موتوا بغيظكم" و "قتلانا فى الجنة و قتلاكم فى النار" و "جدع يا باشا جت فى عينه" إلى آخر تلك المصطلحات.

و لكنه يعلم أن الخروج على الحاكم حرام. هناك خلل لا يقدر أن يحدده و تتراكم اسئلته كل يوم عن سابقتها و كلما سأل أحد الشيوخ سؤال قال له باستنكار شديد: "أكفرت؟!" أو "أتطاول على الصحابة؟!" أو "شكلك تعبان و دماغك تعبت من التفكير. استهدى بالله و قوم صلى ركعتين هتبقى كويس". تُصبح صلاته مجرد تعويذة أو أداة لكبت أفكاره و اسئلته التى لم يجيب له عنها أحد حتى تجاوز المرحلة الثانوية المدرسية و قد أدرك مصطلح جديد "الدين أفيون الشعوب".

إنها الحياة الجامعية و قد دخل إحدى الكليات العملية. فذهنه المتقد و ذكائه و سعة مخيلته قد ساعدتاه لأن ترتمى بين يداه جميع الكليات الحكومية. يدخل المدرج لأول مرة فيجد تلك الاستاذة الجامعية أو ذاك المدرس المساعد. جميعهم يشرحوا له كيف ينجح فى الامتحان. ما هذا السخف؟ لقد توقع أن يعلموه كيف ينجح فى حياته بعد التخرج. قالوا له أنه سيتعلم ذلك بالتدريج لأنهم يعودونه على نظام مختلف. ظل هكذا حتى وصل إلى سنة البكالوريوس و هو لا يزال يبحث عن الحياة العملية فيما يتعاطاه.  ودَّ لو سأل كل أستاذ جامعى و مُدرّس نسى أو تناسى مهمته التعليمية و انشغل فى رصد الدرجات على توافه الأمور: "ماذا تفعل هنا؟" و لكن هذا لن ينفع أحد و لن يغير من الأمر شيئاً، فوضع سؤاله مع باقى الاسئلة فى صندوق أسود لا يرى النور.

يعلم بحكم دراسته و اهتماماته الكثير عن الفيزياء و نشئة الكون. يعلم الكثير أيضاً عن نظرية التطور و نظرية التصميم الذكى (The Intelligent design) و يعلم أنهم اكتشفوا نظريات تنفى وجود الله و نظريات تؤيد وجود قوة خفية ترعانا من خلف ستار يبحث عن جسيمات هيجز بوسون و يقرأ كتابين لريتشارد دوكينز و كريستوفر هيتشنز و يُعلن أنه ضاق ذرعاً بمعتقداته الدينية و أنه يتخلى عنها. ثورة مصاحبة لثورة نفسه و ثورة الشعب و راحة بالخلاص من قيود و ضيق أفق الدين إلى حرية و سماحة الإلحاد.

لقد تعلم فى سنين حياته المعدودة حكمة واحدة. أن الناس تتجنب كل الاسئلة و تجنبهم لها ماهى الا تقوى و ايمان فى قلوبهم فقد قال الله تعالى : "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ" و هم مرعوبون من أن يُتُهموا بالكفر أو الالحاد أو ما هو أسوء! هل تفكر فيما هو أسوء؟! إنه قلة الادب و الحياء أو انعدام الوطنية أو الجنون المطبق و ربما تُصبح إرهابى أو عميل. جميعها إتهامات جاهزة تقدم باردة أو ساخنة مع طبق من الفيشار أو البطاطا و كوب من الشاى أو المياه الغازية.

نعم هم مؤمنون. و لكن بماذا يؤمنون؟ ماذا يريدون؟ ماذا دهاهم ليتعفنوا و يُصبحوا مزارع توليد لمزيد من الجثث البائسة فى هذا العالم المتخاذل الضحل عديم الفكر و المعرفة؟ هذا رغم ما يحيط به من كتب و مخطوطات و وسائل تواصل و بحث.
هل يقرأوا القرآن و يعوا ما فيه؟ ألم يعلموا أن هذا الدين الحق؟ ألم يعلموا أن إبراهيم قد سأل ربه عن إحياء الموتى؟ (كى يتطمئن قلبه) هل يوجد ما يدل أن المرأة لا يحق لها السب أو أنها من الملائكة التى لا تخطئ؟ أليست السيئة هى هى على كل البشر؟ أم إن سيئة المرأة بسيئتان و سيئة الرجل بنصف سيئة؟ إذاً لماذا ترى سيئة المرأة مرفوضة مغضوب عليها؟ بينما سيئة الرجل تُقابل بنوع من التساهل و التسامح بل و ربما التشجيع أيضاً. لقد تركنا مسلّمات لابد أن تُنبش و أبقيناها للحفاظ على كياننا الهزيل.

أنت خائف. خائف لأنك لا تعلم شيئ عمّا تؤمن به. تريد ان تغض بصرك عن الاجابة لخيفتك أن تجد نفسك مخطئاً. أنت خائف أن تكون كائن مفكر يطرح الاسئلة و يناقش فى الخلق. أن تخاف من أن تسأل فتكون كافر أو الأسوء خائف أن تكون "قليل الادب".

سوف تتجنب أن تقرأ هذا المقال. ستتجنب أن تكلمنى. بعدها ربما سيثير فضولك و ربما لا. ربما ستفتح الشاشة رغماً عنك و تقرأ و لا ترى أى "ألفاظ قبيحة" فى المقال سوى عنوان المقال ذاته. و أنت تعلم أن حتى اللفظ الذى تظنه خارج هو فى الحقيقة لفظ معتاد استخدامه فى أحاديث و كتب و مراجع لن تسمع عنها يوماً لأنك لم تقرأ يوماً. و ربما ترى المقال بأكمله غير لائق و غير مهذب. ربما تنصحنى بالتأدب مع الله. فقد نسيت أن الله هو المجتمع و أن العيب هو الحرام فى دينكم. لقد نسيت أن حلاوة المولد أهم من المولد و أن اللحم أهم من ذبح الخروف و أن البسكويت أهم من عيد الفطر و أنكم تعبدون فى دين غير الاسلام (المسيحية، إلخ) لإله فى أنفسكم. يذهب الطفل ليسأل أباه "ليه عمتى ماتت؟" فيرد الأب بتلقائية يُحسد عليها تليق بشخص لم يُفكر فى حياته قط: "حرام تقول كده. انت عايز تقل أدبك على ربنا و تعترض على مشيئته!" يشعر الأب بالذنب يشعر أنه ربنا أو على الأقل أنه رب هذا الطفل الصغير. يُعامله على هذا الأساس و يُوجِّه ذاته إلى السماء ليشمل كل الرعية. يقف الطفل حائراً متسائلاً عن السبب. يدفنه بداخل أعماقه و يعلم أن الجواب لن يرضيه و أن الكفر لا محالة فى الاجابة عنه فيحتفظ به داخل صندوقه الاسود الذى يكبر كل يوم.

هل أنت واثق بما لا يحمل مجالاً للشك أن دينك هو الدين الصحيح و أن مذهبك سليم بلا عيوب (ليس كمذاهب الآخرين)؟ هل أنت تعبد ما تدّعى عبادته؟ أم ان عقلك مرتع للافكار الرخيصة المزروعة بداخلك من بيئة ضعيفة فى عقيدتها. ضعيفة فى ترابطها. ضعيفة فى مناهجها و ضعيفة فى نفسك الشاردة. 

لقد اصبحنا نجهل الفارق بين الدين و العادات و التقاليد. لا نعلم ديننا بل لا نعلم معنى  كلمة "دين". أنت لا تعلم ما هو الوطن ولا تعلم معنى العار و الشرف ولا تعلم ما تحمله يداك و تقرؤه عيناك. إذن فأنت كافر! نعم كافر بعقيدتك سواء كانت مسلم أو مسيحى أو ملحد أو هندوسى. أنت فى مكان محجوب عن المعتقدات جميعها. أنت فى مكان محجوب عن الأخلاق جميعها. أنت ردة فعل لولادتك. أنت ردة فعل لدين أبيك. أنت ردة فعل لصدمة جعلتك مُلحداً عوضاً عن اقناعك بالحادك.

سؤال الأخير. من أنت؟ من أنت حقاً؟ و ماذا تعتقد حقاً؟ وماذا فعلت بارادتك (أو بادراكك) التى وهبها لك (الله/القوى الخفية فى الكون/الآلهة/الصدفة/البلا الازرق اللى انت مقتنع بيه) 


و سيظل السؤال الذى يهرب منه الجميع.  "تكون كافر ولا  تكون "قليل الادب؟"
و تظل الاجابة "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ "

No comments:

Post a Comment